أخبارترندتقارير

الموصليون يحتفلون بنهضة نينوى من تحت الركام

مشروع "إحياء روح الموصل" ساهم بإعادة بناء المنازل والمعالم التاريخية و وفر فرص عمل للموصليين

مشروع “إحياء روح الموصل” ساهم بإعادة بناء المنازل والمعالم التاريخية و وفر فرص عمل للموصليين

استعرض تقرير بريطاني لصحيفة أوبزرفر النهضة العمرانية الكبيرة التي تشهدها محافظة نينوى بجهود المحافظ عبد القادر الدخيل وبدعم من اليونسكو.

نقلا عن صحيفة أوبزرفر البريطانية:
في مدينة الموصل العراقية، تشهد المدينة التي مزقتها الحرب سابقًا نهضة بفضل جهود إعادة الإعمار المكثفة التي يقودها مشروع “إحياء روح الموصل” التابع لليونسكو. سارة وعائلتها، الذين عادوا إلى منزلهم المتضرر بشدة بالقرب من جامع النوري الكبير الشهير، هم من بين العديد من السكان الذين يعيدون بناء حياتهم. المسجد، الذي دمره داعش الإرهابي في عام 2017، خضع لعملية ترميم كبيرة، بما في ذلك مئذنته الشهيرة، الحدباء. إعادة افتتاح المسجد خلال شهر رمضان ترمز إلى الأمل والصمود لمواطني الموصل. المشروع، الذي تشرف عليه اليونسكو، وفر فرص عمل للعديد من السكان المحليين، مما ساهم في تعافي المدينة. على الرغم من التحديات، بما في ذلك القنابل المخفية في موقع إعادة الإعمار، يظل المجتمع متفائلًا. الجمعيات الثقافية مثل “بيتنا” تعزز الشعور المتجدد بالتراث بين الشباب. تستمر الجهود الأثرية في الكشف عن تاريخ محافظة نينوى الغني والحفاظ عليه. دعم المجتمع الدولي يبرز الأهمية الثقافية والتاريخية للموصل، ويعزز السلام والتعايش في المنطقة.

إعادة إعمار مسجد النوري ومئذنته الحدباء في الموصل: رمز للصمود والتجدد

تمت استعادة مئذنة مسجد النوري المائلة، المعروفة باسم “الحدباء”، تحت إشراف منظمة اليونسكو، وأعيد افتتاحها الشهر الماضي. يعود تاريخ بناء المئذنة إلى عام 1172، حيث يبلغ ارتفاعها 45 مترًا، وتتميز بزخارف من الطوب على عمودها الأسطواني وقاعدتها المربعة.

من المقرر أن تكتمل أعمال ترميم المسجد الكبير خلال شهر رمضان، الذي بدأ يوم الجمعة، بعد 11 عامًا من احتلال داعش الإرهابي للموصل. وستُفتح قاعة الصلاة أمام المصلين خلال الشهر الفضيل للمرة الأولى منذ هزيمة داعش. ويقول المهندس عمر طاقة، المسؤول عن المشروع تحت إشراف اليونسكو: “الموصلون سعداء جدًا. لا تزال هناك بعض اللمسات الأخيرة، لكن يمكننا فتح المسجد لصلاة رمضان”.

وأضاف: “نحن فخورون بالعمل في هذا المشروع، الذي يُعدّ أكبر مشروع لليونسكو في العالم، بتكلفة تبلغ 50 مليون دولار. هناك ترتيبات جارية لإقامة حفل افتتاح رسمي للمسجد بحضور رئيس الوزراء العراقي”. وخلال أعمال الترميم في يونيو الماضي، عُثر على خمس قنابل كبيرة من مخلفات داعش في الموقع، ما أدى إلى تأخير العمل لعدة أيام.

عودة الحياة إلى المدينة القديمة

هُدى، التي تعيش بجوار المسجد، تنحدر من بغداد وانتقلت إلى الموصل مع زوجها بعد أن تم تهجيرهما من حي مسيحي في أربيل. تقول: “أنا مسيحية، الوحيدة التي تعيش في هذه البيوت القديمة حاليًا. قبل احتلال داعش، كان هناك العديد من المسيحيين في المدينة القديمة. لديّ طفلان وزوجي يعمل في ترميم مسجد النوري. أشعر أنني في وطني هنا”.

أما الأب رائد، وهو كاهن محلي، فأوضح أن معظم المسيحيين لم يعودوا للاستقرار في الموصل، لكنهم يزورون المدينة يوميًا من أربيل أو مدن ذات أغلبية مسيحية قريبة، مثل قرقوش، للعمل أو لحضور الصلوات في الكنائس.

فخر بالتراث وإحياء الهوية

المهندسة المدنية يمامة صالح، التي تعمل ضمن فريق اليونسكو، شاركت في إعادة إعمار المسجد، وتقول: “إنه معلم الموصل الأبرز. كنت أرى المئذنة من سطح منزلي، وعندما دُمّرت، كان الأمر محزنًا جدًا. لكن بعد أن ساهمت في إعادة بنائها، أصبحت المئذنة تحمل معنى جديدًا بالنسبة لي. والآن بعد اكتمالها، سأعود إلى السطح لالتقاط صورة جديدة لها”.

أما زميلها، مصطفى الزيواني، المشرف على أعمال ترميم المئذنة، فيقف على قمتها بفخر ويقول: “هذه المئذنة أيقونية. جميع العاملين هنا يشعرون بالفخر. لقد كان دمارها على يد داعش في يونيو 2017 أمرًا مؤلمًا، لكننا امتلكنا القدرة والخبرة لإعادة بنائها باستخدام تقنيات حديثة”.

وأوضح الزيواني أن هذه التقنيات الحديثة مكّنت الفريق من تنفيذ العمل بأسلوب مشابه لطريقة البناء الأصلية التي استُخدمت في القرن الثاني عشر. وأضاف: “إنها تجربة رائعة لنا جميعًا لفهم كيف عمل أجدادنا في هذا النوع من البناء”.

إحياء الثقافة والمجتمع في الموصل

في الحي الملون الواقع أمام البيوت القديمة والمسجد الكبير، المعروف باسم “المنقوشة”، يلتقي الشباب في المقاهي والجمعيات الثقافية. سكر معن، مؤسس جمعية “بيتنا”، التي تتخذ من بيت تراثي مهيب مكوّن من طابقين مقرًا لها، قال: “بعد معركة تحرير الموصل عام 2017، كان العيش هنا أشبه بالعيش في الصحراء. أزلنا الأنقاض بأيدينا العارية، وعثرنا على جثث وقنابل غير منفجرة، ثم تمكنا أخيرًا من ترميم هذا البيت التقليدي وتحويله إلى مقهى ومكتب لأنشطتنا”.

وأضاف معن: “في البداية، قيل لنا إننا لن نصمد. لم يكن هناك سوى شخصين في الأسبوع يزورون المقهى، لكننا الآن نستقبل العشرات يوميًا، خاصة من الشباب. هؤلاء الشباب عادوا إلى مدينة مدمرة ولم يكن لديهم أي ارتباط بالموصل القديمة، لكننا نعمل على تعريفهم بتراثهم الثقافي. الموصل كانت بحاجة إلى مكان كهذا”.

وأشار إلى أن الجيل الجديد لا يعرف الكثير عن المواقع الأثرية في محافظة نينوى، مثل مدينة نمرود الآشورية، التي تبعد 30 كم جنوب الموصل، وتعرضت لدمار كبير على يد داعش.

الحفاظ على الإرث الأثري للموصل

ليلى صالح، عالمة الآثار المسؤولة عن منطقة بعشيقة ورئيسة فريق إعادة إعمار كنيسة الطاهرة (الدير العلوي)، تُعتبر خبيرة في المواقع الأثرية في نينوى. تقول: “منذ تحرير المدينة، تم توزيع المشاريع بين إعادة الإعمار، والإنقاذ، والتنقيب، إلى جانب توثيق المواقع وإجراء مسوح أثرية وترميم القطع الأثرية”.

صالح، التي اكتسبت شهرة واسعة بعد اكتشافها عام 2017 قصر آشور بانيبال في نفق تحت مرقد النبي يونس، والذي حفره عناصر داعش بحثًا عن آثار لنهبها وبيعها، تتوقع أن تستمر عملية إعادة إعمار الموصل لسنوات قادمة. وتقول: “إنه لأمر رائع أن يحظى المجتمع الدولي بهذا الاهتمام بالموصل، نظرًا لما تتمتع به من تنوع عرقي وديني وثقافي”.

عندما تم طرد داعش من محافظة نينوى في نوفمبر 2016، قامت صالح وزميلها فيصل جابر بتوثيق الدمار الذي طال المواقع المسيحية. وتختتم قائلة: “نأمل في تنفيذ المزيد من المشاريع الثقافية التي تساهم في بناء السلام وتعزيز الاستقرار والتعايش في المدينة”.

المصدر
https://www.theguardian.com/world/2025/mar/02/mosul-iraq-islamic-state-mosque-reconstruction-ramadan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى