معهد أميركي يقرأ التبعات الأمنية لانسحاب القوات الأميركية من العراق وسوريا
تناول تقرير لمعهد، نيو لاينز New Lines Institute ، الأميركي للسياسة الخارجية توقعات انسحاب القوات الأميركية من العراق وسوريا مستقبلا وما سيكون لذلك من تبعات على ملف مكافحة الإرهاب واحتمالية عودة داعش للمنطقة كون القوات الأميركية المتواجدة في سوريا يعتمد بقاؤها على بقاء القوات الأميركية في العراق مؤكدا ضرورة وضع خطط طوارئ لضمان ديمومة التنسيق مع الأطراف الحليفة في المنطقة لمواصلة صد تهديدات داعش.
ويشير التقرير إلى أنه مع احتمالية حدوث تصعيد مستمر للتوتر في منطقة الشرق الأوسط وزيادة استهداف مجاميع مسلحة مدعومة من إيران لأهداف أميركية في العراق والمنطقة بسبب تبعات الحرب القائمة في غزة، فعندها سيكون انسحاب القوات الأميركية من المنطقة امر محتوم لا مفر منه. مع ذلك، فأن الولايات المتحدة تفتقر لخطط طوارئ بعد انتهاء مهام قوة العمليات المشتركة في العراق وسوريا المعروفة باسم، عملية العزم الصلب، التي تتولى قيادتها ضمن قوة التحالف ضد داعش.
ويذكر المعهد الأميركي في تقريره الى ان مهام، عملية العزم الصلب ضد داعش، تعتمد على تنسيقات امنية للولايات المتحدة عبر حلفاء محليين في العراق الفيدرالي وقوات البيشمركة في كردستان والقوات الديمقراطية الكردية داخل سوريا. التواجد العسكري الأميركي الصغير في سوريا يعتمد في تقديم دعمه اللوجستي والهندسي والجوي للقوات السورية الكردية الحليفة على ما يأتي من دعم من داخل العراق، في وقت تنشغل فيه الولايات المتحدة الان بمباحثات مع بغداد حول مستقبل مهام قوات التحالف وذلك عبر اللجنة العسكرية العليا المشكلة لهذا الامر، مع وجود خيارات محتملة قد تشمل إزالة او تقليص عدد التواجد العسكري الأميركي في العراق، حيث سيتطلب ذلك مزيدا من التنسيق بين الحلفاء المحليين.
ويوصي المعهد الأميركي صناع القرار في الولايات المتحدة ان يتناولوا الانسحاب المرتقب من خلال مسلكين. المسلك الأول هو ان ينظروا بوضع خطة لما سيكون بعد انتهاء مهمة التحالف الدولي، خصوصا إذا ما سيكون الانسحاب قريب. حيث ستكون نتائج ضخمة للانسحاب لما يتعلق بموضوع مكافحة الإرهاب والسياسات الإقليمية والامن. ولكن بوجود خطط طوارئ مهيأة فإنها قد تمنع من عودة تهديدات داعش والحفاظ على اولويات الولايات المتحدة الستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وما يتعلق بايران. أما المسلك الثاني فانه يتوجب على المسؤولين الاميركان ان يخاذوا بنظر الاعتبار كيفية استمرار تنسيق العلاقات السياسية بين الأطراف الحليفة في المنطقة بالشكل الذي يدعم استمرارية نجاح مهمة التحالف في حال تقليص القوات الأميركية او انسحابها من العراق مع استمرارية الدعم الأميركية للقوات المحلية الحليفة في سوريا.
من جانب آخر تواجه الولايات المتحدة ضغوط من جهات متعددة لإعادة النظر بتواجدها العسكري في العراق وسوريا. في الداخل هناك رأي عام يدعو الى نهج سياسة خارجية انعزالية وعدم التدخل بشؤون بلدان أخرى. ومع تزايد احتمالية قدوم دورة رئاسية ثانية لدونالد ترامب قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني، فانه من المحتمل ان تثار مناقشات بخصوص مهمة التحالف الدولي ضد داعش للسنوات القادمة. وكانت إدارة ترامب قد أظهرت عن رغبتها سابقا بسحب القوات الأميركية من مناطق ذات أهمية ستراتيجية عالية في شمالي سوريا في عام 2019. وما يزال الرئيس ترامب يتحدث عن نجاح ادارته بالحاق الهزيمة بداعش، رغم ان التنظيم الإرهابي ما تزال له جيوب في العراق وسوريا، والتي تثير التساؤل بأهمية تواجد القوات الأميركية في البلدين.
ويذكر التقرير ان ضغط داخلي لاعادة النظر بتواجد القوات الأميركية في الشرق الأوسط يلقى أصداء مماثلة في العراق. وكانت الحكومة العراقية بقيادة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، قد تعرضت منذ توليها القيادة عام 2022 لضغوط من قبل أطراف سياسية وفصائل مدعومة من إيران، اما لسحب القوات أو التفاوض بخصوص انهاء التواجد الأميركي وقوات التحالف من البلد. وكانت القوات الأميركية قد ساعدت عبر مهام التدريب والمشورة بتطوير قدرات وامكانيات القوات العراقية وقوات البيشمركة وجهاز مكافحة الارهاب، مع ارسال مساعدات سنوية أميركية للعراق بملايين الدولارات من خلال مهام التحالف الدولي. رغم ذلك فان السوداني قد اتخذ خطوات تجاه تحقيق نهاية للدور الأميركي الحالي في العراق.
وكانت احدى هذه الخطوات تشكيل لجنة عسكرية أميركية – عراقية عليا في كانون الأول لمناقشة عملية الانتقال لشراكة امنية ثنائية مستدامة بين الولايات المتحدة والعراق. وكان هدف بغداد من هذه اللجنة هو صياغة جدول زمني محدد واضح لتفعيل عملية التقليص التدريجي للقوات والمستشارين الاميركان المتواجدين على الأرض العراقية. وعقب لقاء السوداني بالرئيس جو بايدن في البيت الأبيض بواشنطن في نيسان 2024، صدر بيان أميركي – عراقي مشترك عن اللقاء يؤكد تعهد الزعيمين بمراجعة اللجنة العسكرية العليا للعوامل الرئيسية التي تحدد الجدول الزمني لمستقبل مهام قوات التحالف.
ويشير التقرير انه في الوقت الذي لم تتضح فيه الصورة بعد ما سيتمخض عنه اجتماع اللجنة العسكرية الأميركية العراقية العليا او أي نقاشات أخرى عن انسحاب او تقليص لتواجد القوات الأميركية على المدى القصير، فانه يتوجد على صناع القرار الاميركان ان يخاذوا بنظر الاعتبار تبعات مسألة الانسحاب من العراق ووضع خطط طوارئ وفق ذلك. مع سيناريو بناء تعاون استخباري أمنى دفاعي أميركي مع الشركاء المحليين في المنطقة سيعد أمر حيوي لضمان عدم استغلال داعش المباشر لأي فراغ أمنى، وقد يتضمن ذلك التركيز على كيفية استمرار دعم القوات الحليفة داخل سوريا في حال عدم تمكن القوات الأميركية من توفير دعم لوجستي لها من داخل العراق.
وكشفت مصادر مطلعة، يوم أمس، عن تفاصيل جديدة حول مباحثات انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق.
ونقلت رويترز عن المصادر قولها ان “العراق يرغب في أن تبدأ قوات التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة بالانسحاب مطلع شهر أيلول المقبل، وان ينهي عمل التحالف رسميا بحلول أيلول 2025، مع احتمال بقاء بعض القوات الأمريكية بصفة استشارية جرى التفاوض عليها حديثا”.
وأضافت انه “يجري مناقشة الموقف العراقي مع مسؤولين أمريكيين في واشنطن هذا الأسبوع في قمة أمنية”، لافتة الى انه “لا يوجد اتفاق رسمي على إنهاء التحالف أو أي جدول زمني مرتبط به حتى الآن”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في إفادة صحفية إن “الجانبين يجتمعان في واشنطن هذا الأسبوع لتحديد كيفية نقل مهمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على أساس التهديد الذي يشكله تنظيم داعش”، مضيفا أنه “ليس لديه مزيد من التفاصيل”.
وعلى صعيد ذو صلة، حذر معهد “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” الامريكي من ان “قرع طبول الهجمات” من جانب الميليشيات العراقية، ربما يعني أنها ستتجدد، داعياً الإدارة الأمريكية إلى “الرد بشكل ساحق” على مثل هذه الهجمات التي ترعاها إيران.
وذكر التقرير الأمريكي، بداية بتأكيد البنتاغون مؤخراً بأن قاعدة الاسد تعرض لهجوم بمسيرتين في 16 تموز/يوليو الجاري، جرى إسقاط احداهما، بينما اصطدمت الاخرى بالقاعدة بدون أن تتسبب بأضرار.
ونقل التقرير عن الباحث في بيل روجيو قوله ان “الميليشيات التابعة لإيران في العراق كانت حريصة على استئناف شن هجمات ضد القوات الامريكية في العراق وسوريا، وقد يشير آخر هذه الهجمات، والذي جرى بعد توقف دام عدة شهور، الى ان قرع طبول الهجمات سيستأنف”.
وبحسب روجيو، فان “الميليشيات التي للمفارقة هي جزء من المؤسسة الامنية العراقية، تضغط على الحكومة لكي تجبر الولايات المتحدة على الانسحاب من العراق، مهددة بضرب القواعد الاميركية إذا لم تتم تلبية مطالبها، وهي اعمال لا تتم دون موافقة صريحة من اسياد الميليشيات الايرانيين”.
ونقل التقرير عن الباحث الامريكي برادلي بومان قوله انه بعد استئناف الهجمات من جانب وكلاء إيران، فانه على الكونغرس الامريكي ان “يضغط على الادارة لضمان ان قواتنا (الأمريكية) المنتشرة في المقدمة لديها الأدوات العسكرية والاذن السياسي للرد بقوة ساحقة للدفاع عن أنفسهم وجعل وكلاء إيران يندمون على هجومهم واعادة النظر قبل شن اي هجمات في المستقبل”. وبحسب بومان، فان “الدليل واضح على ان إيران تشاهد الضعف الأميركي باعتباره ضوءا أخضر لشن المزيد من الاعتداءات”.
كما نقل التقرير عن محلل الأبحاث كاميرون ماكميلان قوله ان “القوات الامريكية تستمر في أداء دور حيوي في ضمان الهزيمة الدائمة لخلافة داعش، وهي مسألة حيوية للامن القومي الامريكي”. واضاف قائلا انه “لسوء الحظ، أصبحت هذه المهمة الضرورية لهزيمة تنظيم داعش تتحول بحد كبير الى قيام أفراد الجنود الأمريكيين بمراوغة الصواريخ والطائرات المسيرة الايرانية بامكانيات واذن محدود بالرد”.
وبحسب ماكميلان، فإن الجنود الأمريكيين مجبرون “على المراهنة بحياتهم على الإجراءات الدفاعية والحظ غير الكافي في أحيان كثيرة”. واضاف قائلا انه “مثلما تعلمنا بشكل مأساوي في الاردن مع مقتل 3 جنود اميركيين، فان الاعتماد على الانظمة الدفاعية وحدها لا يعتبر كافيا، وفي مرحلة ما فإن الحظ يتوقف”.
ولفت التقرير الى انه منذ 17 اكتوبر/تشرين الاول، هاجمت الميليشيات العراقية القوات الامريكية أكثر من 165 مرة، ولم ترد الولايات المتحدة سوى 11 مرة.